علامات فارقة

بدايات

تمثل هذه المجموعة بواكير أعمال الفنان الراحل عبد اللطيف الصمودي، حيث يتضمن العمل مختلف المفاهيم الأكاديمية التي تلقاها أثناء دراسته في كلية الفنون الجميلة بدمشق في مطلع السبعينيات، كما تشير في الوقت نفسه إلى نزوعه التشكيلي نحو التأليف التصويري، والبحث عن خصوصية تحمل تطلعاته الفنية آنذاك.. وتتنوع الموضوعات ما بين رسم الطبيعة الصامتة والبورتريه وبعض التكوينات التي تتداخل مع مفردات بصرية استلهمها الفنان من بيئته المحلية، مستخدماً بذلك خامات متعددة، تتراوح بين الرسم بالأحبار وأقلام الرصاص والألوان الزيتية، إلى جانب محاولاته الأولى في الكولاج.

شروع

اقترنت تجربة الصمودي منذ بداياتها بهاجس البحث عن مفردات بصرية تحمل هويته الشرقية، فشرع بعد تخرجه من كلية الفنون عام 1975، بالتنقيب في الإرث الجمالي الإسلامي، بمنجزه الفني العريق، وبغناه وثرائه الذي لا ينفد، وتعدى ذلك إلى البحث في الفنون التي تختزنها سورية باعتبارها ملتقى الطرق الثقافية بين الشرق والغرب، ومهداً لأقدم الأديان وأهم الحضارات التي عرفتها البشرية عبر العصور، والتي تركت إرثاً فنياً ومعمارياً وإنسانياً خالداً. وقد أدرك الصمودي بفطرته الإبداعية وعمقه الوجداني أهمية التوغل واستلهام هذه الحضارات والتعبير عنها بصياغة جمالية معاصرة، وضعت عمله الفني في صفوف كبار المبدعين العرب، واستطاعت أن تلفت أنظار النقاد والمهتمين إلى تجربته الفنية منذ ذلك الوقت.

نقوش ورموز

مع تنامي تجربة الصمودي، وتعمق خبراته ومعارفه، اتسعت مفرداته البصرية التي كان يوظفها في العمل الفني بدراية كبيرة وعشق صوفي، من هنا احتضنت أعماله مختلف رموز وإشارات الإنسان البدائي، ومختلف الرسوم والنقوش التي تركها على جدران الكهوف، مازجاً بذلك رموز الفن العربي الإسلامي بكافة دلالاته، مع المشغولات الأخرى من السجاد الشرقي والأواني الخزفية، إلى جانب ابتكاره لرموزه الخاصة التي تولدت نتيجة البحث عن صياغات أصيلة تحاكي ذلك المنجز، فجاءت الأعمال كتلاوات بصرية تحمل غنى لونياً وقيمة تشكيلية كبيرة. إن هذه المجموعة تمثل هوية الصمودي الفنية، وتحمل ملامح التجربة التي عرف واشتهر بها، والتي جعل منها أيقونته الدائمة التي تظل حاضرة ومؤثرة في المشهد الفني المعاصر.

تكوينات إنسانية

لا يفترق العنصر الإنساني الذي تناوله الصمودي في أعماله، عن المفردات والرموز والموتيفات اللونية الأخرى التي كان يرسمها في تداخل غنائي عذب، فاللوحة لديه تشبه مقطوعة موسيقية تضج بالحياة وتنساب بهدوء وتناغم في الوقت نفسه.. من هنا استطاع الصمودي على تحوير الشكل البشري وتضمينه في تكوينات إنسانية جمالية تؤكد على غنى مخزونه البصري من جهة، وعلى بناء عمل فني متماسك يحمل كافة القيم الفنية المعاصرة، ويؤكد على إصراره في تطوير أدواته التعبيرية، والبحث عن مناخات بصرية جديدة تعبر عن همومه الكونية، وعن نزوعه نحو صياغات جديدة في إيقاعاتها اللونية، وفي مضامينها وتجلياتها الإبداعية.

مشاهد

الحياة بكامل غناها وتنوعها واتساعها هي مادة الصمودي البصرية، وعين الروح التي يحدق عبرها الصمودي كانت حتى إغماضتها الأخيرة، تتأمل الأرض والمشاهد الطبيعية وتقلبات الفصول، فالكثير من أعماله كانت تحاكي الطبيعة مستعيرة أسماء شاعرية تعبر عن افتتان الصمودي بتجليات الحياة، مثل لوحة (لغة الطبيعة)، (صوت الماء)، (الكسوف)، (مقامات يومية) وغيرها الكثير من الأعمال التي تشير إلى أن الصمودي لم يكف لحظة عن تأمل هذا الجمال الذي كان يتشربه ويعكسه عبر أعماله الإبداعية والتي تشير بوضوح إلى قدرته على أنسنة المشهد الطبيعي عن طريق نقل النبض الوجداني إلى كل ما يحيط به.

ترانيم شرقية

تعتبر هذه المجموعة تكامل مشروع الصمودي الجمالي والذي لم يتوقف لحظة عن التطور، حيث تتخذ خصوصيتها كونها آخر المطاف في تجربة كانت تعد بالكثير الكثير رغم أهميتها الكبيرة، وقد وظف الصمودي في هذه المجموعة الكتابات والرموز والشخوص مستخدماً الكولاج والأحبار والألوان على الورق والقماش، مستلهماً صفحات الكتب المقدسة والألواح القديمة، بحس تصويري معاصر، وبطريقة تعكس حساسياته المرهفة في توزيع العناصر وفي تجاوراتها وتراصفها المدروسة بعناية فائقة، وكأنما يريد الصمودي أن ينهي حياته بكتاب مشرع لا سبيل إلى إغلاقه.